JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

بحث


فصل تمهيدي

مبدأ حفظ السلم والأمن الدوليين في القانون الدولي


المبحث الثالث : مبدأ حفظ السلم والأمن الدوليين في الفقه الدولي الحديث .

المبحث الأول:


        النشأة والتطور التاريخي لمبدأ حفظ السلم والأمن الدوليين  


إن الإدراك العميق لأهمية مبدأ حفظ السلم والأمن الدوليين وأثره في العلاقات بين الشعوب ينفعنا إلى أن هذا المبدأ هو شريعة مجتمعات وجماعات ، قبل أن يكون شريعة دول بمفهومها الحديث.

وعندما يتم تطبيقه على الدول فان ذلك يتم باعتبار أن هذه الدول عبارة عن مجتمعات سياسية مستقلة وهذا النوع من المجتمعات كان موجودا وفاعلا في العصور الخوالي


المطلب الأول : مبدأ حفظ السلم والأمن الدوليين عند الإغريق


كان الإغريق شأنهم شأن سائر الشعوب الأخرى ذات المدنيان المتقدمة نسبيا يعتبرون أنفسهم جنسا متميزا من البشر يتفوق على الأجناس الأخرى المجاورة لهم وقد أدى الخطيب الإغريقي " ایزو قراط" أن الاختلاف بين الإغريقي والبربري لا يقل عن الاختلاف بين الإنسان والحيوان " . ولذلك نضر الإغريق إلى الشعوب الأخرى نظرة استغلاء وغطرسة وازدراء ، ووصفوها بالهمجية ، لايصلح أفرادها سوى أن يكونوا عبيدا لهم ، وبالتالي اقتصرت العلاقة بين الإغريق وغيرهم على عمليات الغزو والاقتتال الوحشي دون أية ضوابط قانونية أو أخلاقية .ولكن هل أقر الإغريق قواعد قانونية تحكم وعلاقات القوة فيما بينهم في ظل ما يسمى " بدولة المدنية " ؟. فمن المعلوم أنه منذ القرن السادس قبل الميلاد وحتى السيطرة المقدونية ابتداء من عام ( 388 ق.م ) انقسمت الأمة الإغريقية إلى عدة مدن مستقلة تماما وقد طبقت هذه المدن في علاقاتها المتبادلة قواعد قانونية يمكن أن توصف بأنها قواعد دولية وقد أكدت هذه القواعد على ضرورة احترام السيادة والسلامة الإقليمية لكل منهما ، كما نظمت أيضا

العلاقات التي كانت هته المدن تتبادلها فيما بينهم بحكم الضرورة في وقت السلم ووقت الحرب ، كما أبرمت المدن الإغريقية العديد من المعاهدات فيما بينهما كذلك عرفت المدن الإغريقية نوعا من التمثيل القنصلي ونوعا من التحكيم لتسوية المنازعات فيما بينهما ، كان أقرب في الواقع إلى التوفيق منه إلى التسوية القضائية 1.

ومع ذلك لم تعرف المدن الإغريقية قواعد قانونية تحكم الحروب فيما بينهما على الرغم من كثرتها ، فلم تكن هناك معايير موضوعية لمشروعية الحرب كذلك التي وضعتها الشريعة الإسلامية ، أو تلك التي أقرها علماء اللاهوت وفقهاء القانون في القرون الوسطى وفي العصور الحديثة ، باستثناء معيار واحد ألا وهو أن الحرب الشرعية يجب أن يسبقها إعلان رسمي للحرب ، حتى هذا المعيار الشكلي لم يطبق عملا والنتيجة أن المدن الإغريقية لا تتقيد في تعاملها مع بقية شعوب العالم أو محاولة السيطرة عليهم بأية قواعد ، وخاصة تلك التي تطبق على العلاقات المتبادلة بين المدن الإغريقية.


المطلب الثاني : مبدأ حفظ السلم والأمن الدوليين عند الرومان

كان لدى الرومان نظام خاص يحكم العلاقات التي كانت تقوم بينهم وبين غيرهم من الجماعات يقوم على وضعه و الإشراف على تنفيذه هيئة مكونة من عشرين من رجال الدين يطلق عليهم اسم fatales وكان هؤلاء الرهبان ينهضون بمهمة تطبيق القانون الإلهي المقدس على علاقات روما بغيرها من الشعوب ، ويطلقون على هذا القانون باسم jus fetial وكان الرهبان يقومون بوظيفتهم عند إعلان الحرب وعند عقد السلم وعند عقد السلم وعند ابرام المعاهدات

ووفقا لعادات الرومان كانت علاقات روما مع الشعوب الأخرى تتوقف على إذا ما كانت تربط بين روما والشعب الآخر معاهدة صداقة ، فإذا كانت مثل هته المعاهدة قائمة فإن أفراد الشعب الآخر يستمتعون بالحماية في حالة انتقالهم أو وجودهم في روما .


أما الشعوب الأخرى التي لا تربطها بروما أبي معاهدة فإن أفرادها وممتلكاتها لا تتمتع بمثل هذه الحماية بل بحل قتلهم أو استبعادهم كما بحل الاستيلاء على ممتلكاتهم .


وعلى الرغم من أن روما في الفترات المبكرة من تاريخها كانت أكثر استعدادا للاعتراف بقواعد سلوك دولية تعتبرها ملزمة لها ولغيرها من الدول المتمدنة الأخرى ، مثل المعاملة بالمثل والمساواة القانونية فان تطورا تدريجيا قد طرأ على هذا الموقف ، حتى بدأت روما في أعقاب بعض الانتصارات العسكرية الحاسمة تنضر إلى أعدائها بوصفهم شعوب غير متحضرة ، وهو حدا بها إلى إنكار أية التزامات قانونية في مواجهتهم وبدأت قاعدة المعاملة بالمثل تختفي ، وتضمنت معاهدات روما مع الشعوب الأخرى نوعا من الشرط الذي يفيد خضوع هذه الشعوب خضوعا كاملا لروما ، واعتبر العالم فلکا رومانيا ، ومجدها المفكرون الرومان لأنها حققت المهمة التي عهدت بها إليها السماوات فقد أصبح البحر المتوسط بحيرة رومانية ، ونشرت روما على رعاياها نوعا من الوحدة امتد بها من المحيط الأطلسي في الغرب إلى نهري دجلة والفرات في الشرق وعاش العالم ما أطلق عليه السلم الروماني ، ولكنه سلم لا يعترف بقاعدة المساواة بين الشعوب ، بل على النقيض كانت الصدارة لروما على باقي الشعوبة.


وبعد انقسام الإمبراطورية الرومانية إلى إمبراطورية رومانية غربية وأخرى شرقية وظهور المسيحية والصداع الطويل الذي نشأ بين الأباطرة والدين الجديد وذيوع المسيحية وانتشارها ، فقد تولت الكنيسة الكاثوليكية ( بعد انهيار الإمبراطورية الرومانية الغربية ) مهمة توحيد شعوب المسيحية في دولة واحدة حتى يكون على الأرض راع واحد وقطيع واحد ، واكتسبت الإمبراطورية الرومانية الجرمانية وصف القداسة بتحالفها مع البابا .


وفي عصر النهضة اشتد تأثر الفقهاء والعلماء بالقانون الروماني ، وتبلورت الفكرة القائلة بوجود قانون ومبادئ تطبق على العلاقات التي نقوم بين دول أو مجموعات أو أنظمة سياسية مختلفة .

وفي هذه الحقبة من الزمن ظهر فقهاء ساعدوا ، بنشر نظرياتهم وأبحاثهم ، على تطور مبدأ السلم والأمن ونبذ استخدام القوة.


المطلب الثالث : مبدأ حفظ السلم والأمن الدوليين في الإسلام


يعتبر مبدأ السلم والأمن من أهم المبادئ التي سعى الإسلام إلى تحقيقها وتعميق جذورها بين المسلمين لتصبح جزءا لا يتجزأ من كيانهم ومظهرا شاملا من مظاهر عقيدتهم ، فقد أعلن الإسلام مبدأه السلمي منذ أن أشرقت شمسه في القرن السادس ميلادي. 

حيث جاء الإسلام دعوة رائعة لتطوير المجتمع الدولي وتنظيمه فهو عقيدة التوحيد الخالص يدعوا الناس كافة إلى عقيدة موضوعية هي التسليم بوجود العلم المطلق ،و هو إلا دليل على قيام الحقيقة الأولى والعظمى في الوجود التي ترتبط بها كل الأكوان والكائنات ، وبأنها كلها خاضعة إلى تنظيم کلي وإرادة عليا تحكمها نظم دقيقة يكتشفها الإنسان رويدا ، وهي كلها تدل على خالقها الواحد المنفرد بكمال صفاته وفي علمه وقدرته وحكمته ورحمته.


حيث قال تعالى : " أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها ومالها من فروج والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج ، تبصرة وذكرى لكل عبد منيب "2.

و الإسلام في دعوته إلى وحدة الأديان في مصدرها وفي جوهرها والى الإيمان بجميع الرسل بلا تفريق بينهم ولا تعصب ، إنما يدعوا جميع الشعوب الى وحدتها الإنسانية الكبرى.وعالمية تتوحد فيها وتتساوى على قاعدة وحدة القيم الأساسية والأخوة الإنسانية والتعاون على البر ، عقيدة هادفة إلى تحرير الإنسانية من استغلال بعضها البعض، والى تأهيلها لرسالتها العلمية الكونية التي حملت مسؤوليتها الخالدة ، والتي لا سبيل إلى القيام بها إلا بعد التحرر من الاستغلال والاستعباد للحكم فهي دعوة إلى الوحدة العالمية والأخوة الإنسانية تستمد حيويتها من عقيدة إنسانية موضوعية ذات شريعة عالمية متوازنة القيم ، لا تتجزأ فيها الحرية والعدالة ولا تتنافر ، فلا حرية بلا عدالة ولا عدالة بلا حرية ، ولا سلام للشعوب تمزقها صراعات عنصرية أو طبقية أو مذهبية .

إن الدعوة الإسلامية هي دعوى عالمية لا تعترف بانقسام العالم إلى دول ذات سيادة فهي تهدف إلى اتحاد جميع الشعوب في كنف نظام عقائدي وقانوني موحد هو الشريعة الإسلامية ، وحيث أن الإسلام لم يمتد إلى أرجاء المعمورة كلها ، فقد اختلفت علماء الفقه الإسلامي في تفسير طبيعة العلاقة بين " دار الإسلام " التي يكون للمسلمين ولاية عليها وتطبق فيها الأحكام الإسلامية ، و " دار الحرب " التي تخرج عن ولاية المسلمين .

فقد ذهب رأي إلى أن الأصل في تلك العلاقة هو " الحرب " حتى تكون موادعة مؤقتة أو عقد ذمة وقد أسس أصحاب هذا الرأي علاقات الدولة الإسلامية بغيرها من الدول غير الإسلامية وفق القواعد الآتية :

* الجهاد فرض ، ولا يحل ترکه بأمان أو موادعة إلا أن يكون الترك سبيلا إليه ، بأن كان الفرض منه الاستعداد حين يكون بالمسلمين ضعف و مخالفيهم في الدين قوة .


* أساس العلاقة بين المسلمين ومخالفيهم في الدين الحرب ، ما لم يطرأ ما يوجب

السلم من إيمان أو أمان ، والأمان نوعان : أمان مؤقت وأمان دائم .

* دار الإسلام هي الدار التي تجرى عليها أحكام الإسلام و يأمن من فيها بأمان المسلمين سواء كانوا مسلمين أم ذميين ، ودار العهد هي دار غير المسلمين الذين ارتبطوا بالمسلمين بعهد الأمان المؤقت العام، أما دار الحرب فهي الدار لا تجري عليها أحكام الإسلام ولا يأمن من فيها بأمان المسلمين.

وذهب رأي آخر إلى أن الجهاد وإن كان يعبر عن علاقة عداء دائم على المستوى السياسي بين دار الإسلام ودار الحرب ، فإنه لا يفترض استمرار الاقتتال المسلح بينها ، لأنه من الممكن الوصول إلى نشر الإسلام عن غير طريق القتال المسلح وذلك بالإقناع ( الدعوة باللسان ) .

وذهب رأي ثالث وهو الأرجح ، إلى أن الأصل في العلاقة بين المسلمين ومن يخالفونهم هو السلم وان الحرب المشروعة في الإسلام هي الحرب الدفاعية فقط ، فكان أساس مشروعية الحرب في الإسلام هو دفع الاعتداء والدفاع عن الذات 2.

من جهة أخرى فقد جاءت الشريعة الإسلامية بمجموعة من القواعد التفصيلية ، التي تحكم علاقات المسلمين بغيرهم من الجماعات في وقت السلم ، وفي وقت الحرب على السواء ، فقد كان الإسلام سباق إلى إقامة نظام إنساني كامل لحكم الحرب و سير عمليات القتال وحماية ضحاياها ، على أساس فريد ، بدعوته إلى المحافظة على الكرامة الإنسانية في الحروب ولما كانت الحرب في الإسلام قد شرعت لنفع العدوان ، فإن التاريخ لم يعرف محاربا رفيقا بالأسرى كالمسلمين الأولين الذين اتبعوا أحكام القرآن وسنة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )

والتوصيات والإعلانات والتوجيهات وغيرها ومثال ذلك إعلان مانيلا ( 1982 ) بخصوص التسوية منع وإزالة المنازعات والمواقف التي قد تهدد السلمية المنازعات الدولية وإعلان ( 1988 ) بخصوص السلم والأمن الدولي ودور الأمم المتحدة في ذلك.

لذلك سنتطرق في هذا المبحث إلى جهود عصبة الأمم في إحلال السلم والمحافظة على الأمن الدولي باعتبارها أول تجربة يقوم بها المجتمع الدولي من خلال المطلب الأول جهود عصبة الأمم .

أما في المطلب الثاني سنتطرق إلى جهود هيئة الأمم المتحدة في تطوير مبدأ حفظ السلم والأمن الدولي ، أما المطلب الثالث سنناقش الاتحاد الإفريقي وجهوده في إحلال مبدأ السلم والأمن باعتباره منظمة إقليمية تعنى بشؤون القارة الإفريقية .


المطلب الأول : دور عصبة الأمم في مجال حفظ السلم والأمن الدولي

غني عن البيان أن قيام عصبة الأمم في عام 1919 كان حدثا بالغ الأهمية من حيث أنها مثلت خطوة حاسمة في عملية تنظيم العلاقات الدولية ، فعصبة الأمم هي أول تجربة في تاريخ البشرية الإنشاء منظمة عالمية من حيث العضوية ، ومن حيث شمول الاختصاص

وإن اهتمت أساسا بقضية السلم والأمن أن يكون وسيلة قوية لتدعيم العلاقات السلمية وحسم المنازعات الدولية على نحو لا يهدد السلام العالمي. وصل عدد الدول المنتمية لهذه المنظمة إلى 58 دولة في أقصاه، وذلك خلال الفترة الممتدة من 28 سبتمبر سنة 1934 إلى 23 فبراير سنة 1935.

 كانت أهداف العصبة الرئيسية تتمثل في منع قيام الحرب عبر ضمان الأمن المشترك بين الدول، والحد من انتشار الأسلحة، وتسوية المنازعات الدولية عبر إجراء المفاوضات والتحكيم الدولي، كما ورد في ميثاقها ، ومن الأهداف الأخرى التي كانت عصبة الأمم قد وضعتها نصب أعينها: تحسين أوضاع العمل بالنسبة للعمال معاملة سكان الدول المنتدبة- والمستعمرة بالمساواة مع السكان والموظفين الحكوميين التابعين للدول المنتدبة مقاومة الاتجار بالبشر والمخدرات والأسلحة، والعناية بالصحة العالمية وأسرى الحرب، وحماية الأقليات العرقية في أوروبا.


تناولت منظمة عصبة الأمم بالتنظيم مشكلة شن الحرب لتحاول الحد من خطورتها فقررت أو نظمت أحكاما تضمنتها المواد( 11 - 16 ) ، فتنص المادة ( 12 ) من عهد عصبة الأمم على التزام الدول الأعضاء جميعا ، في حالة قيام نزاع يهدد بقطع العلاقة بينها ، أن تعرض هذا النزاع على التحكيم أو على المحكمة الدولية ، أو على مجلس العصبة ، وينبغي أن يصدر قرار التحكيم أو حكم المحكمة أو تقرير مجلس العصبة ، وينبغي أن يصدر قرار التحكيم أو حكم المحكمة خلال فترة معقولة ، أما تقرير مجلس العصبة فيجب أن يصدر خلال ستة أشهر من عرض النزاع عليه .


وتنص المادة ( 13 ) من عهد عصبة الأمم على انه اذ قام نزاع بين الدول الأعضاء وعجزت عن تسويته بالوسائل الدبلوماسية ( التفاوض ، الوساطة ، التوفيق ) ، ورأت أن هذا النزاع قابل للتسوية القانونية ، فإنها تعرضه على التحكيم أو المحكمة الدولية ، وتتعهد الدول الأعضاء بتنفيذ قرار التنفيذ أو حكم المحكمة بجنس نية ، ولا تلجأ إلى الحرب ضد الدولة العضو التي قبلت قرار التحكيم أو حكم القضاء . أما في حالة عدم تنفيذ القرار أو الحكم فإن لمجلس العصبة أن يقترح ما يراه مناسبا من تدابير الحمل الطرف الخاسر في النزاع على التنفيذ .


وفي حالة عدم عرض النزاع على التحكيم أو القضاء الدولي تطبيقا لنص المادة ( 13 ) فقد حددت المادة ( 15 ) من عهد عصبة الأمم الإجراءات التي تتبع بشأن عرضه على مجلس العصبة الذي يقوم بإصدار التوصيات اللازمة بشأن تسويته تسوية عادلة .


وواضح مما تقدم أن التنظيم القانوني الذي وضعه عهد عصبة الأمم لتسوية المنازعات بين الدول بالطرق السلمية لا يختلف كثيرا عن السلوك المعتاد الذي درجت عليه الدول في السابق . والتجديد الوحيد في هذا الصدد هو أن مبدأ التسوية السلمية للمنازعات قد تحول من مبدأ سياسي الى مبدأ قانوني يعرض من يخالفه للمساءلة القانونية الدولية أما في السابق فقد احتفظت الدول بحرية مطلقة في الاختيار بين التسوية السلمية أو استخدام القوة العسكرية 1.


مثلت فلسفة الدبلوماسية التي أتت بها عصبة الأمم نقلة نوعية في الفكر السياسي الذي كان سائدا في أوروبا والعالم طيلة السنوات المائة السابقة على إنشائها، وكانت العصبة تفتقد لقوة مسلحة خاصة بها قادرة على إحلال السلام العالمي الذي تدعو إليه، لذا كانت تعتمد على القوة العسكرية للدول العظمى الفرض قراراتها والعقوبات الاقتصادية على الدول المخالفة لقرار ما، أو لتكوين جيش تستخدمه عند الحاجة، غير أنها لم تلجأ لهذا أغلب الأحيان لأسباب مختلفة، منها أن أعضاء العصبة كان أغلبهم من الدول العظمى التي تتعارض مصالحها مع ما تقره الأخيرة من قرارات، فكانوا يرفضون التصديق

عليها أو الخضوع لها والتجاوب معها، وغالبا ما قام بعضهم بتحدي قراراتها عنوة وأظهر احتقارا لها ولمن أصدرها، فعلى سبيل المثال، اتهمت العصبة جنودا إيطاليين باستهداف وحدات من الصليب الأحمر العصبة لا تتصرف إلا عندما تسمع العصافير تصرخ من الألم، أما عندما ترى العقبان تسقط صريعة فلا تحرك ساكنا» 1.

وبالمقابل فإن العصبة أثبتت عجزها عن حل المشكلات الدولية وفرض هيبتها على جميع الدول دون استثناء، عندما أخذت دول معسكر المحور تستهزئ بقراراتها ولا تأخذها بعين الاعتبار، وتستخدم العنف تجاه جيرانها من الدول والأقليات العرقية قاطنة أراضيها، خلال عقد الثلاثينيات من القرن العشرين. بعدها بدأت الدول في الانسحاب من هذه المنظمة، وكان نشوب الحرب العالمية الثانية بمثابة الدليل القاطع على فشل العصبة في مهمتها الرئيسية، ألا وهي منع قيام الحروب المدمرة، وفشلها في إحلال السلم والأمن الدوليين وما أن وضعت الحرب أوزارها حتى تم حل العصبة، وخلفتها هيئة جديدة هي هيئة الأمم المتحدة، التي ورثت عدد من منظمات ووكالات العصبة 2.


المطلب الثاني : دور هيئة الأمم المتحدة في تطوير مبدأ السلم والأمن الدولي


لعل من أعظم الآثار التي خلفتها أهوال الحرب العالمية الثانية، زيادة الشعور بأهمية المحافظة على السلام والأمن الدوليين واستقرارهما بواسطة منظمة دولية ، حتى توجه الشعوب جهودها لإصلاح ما أفسدته الحرب وتتعاون فيما بينها لتحقيق التقدم الاقتصادي والرقي المعنوي .

عقدت عدة اجتماعات تمهيدية لإنشاء المنظمة الدولية الجديدة، ولإقامة نظام جديد للتنظيم الدولي يقوم على مبدأ الأمن الجماعي والتعايش السلمي ، ونبذ الحرب كوسيلة لحل المشكلات الدولية حيث تم وضع مشروع تمهيدي لإقامة المنظمة الجديدة ثم دعيت الدول إلى مؤتمر سان فرانسيسكو 1945 للمصادقة على ميثاق الأمم المتحدة ، فأكد أن الهدف الأول هو منع الحرب والمحافظة على السلام 1.

إن في مقدمة الأهداف التي تسعى إليها الأمم المتحدة ، هي الحفاظ على السلم والأمن الدوليين ويعتبر أحد الأعمدة التي قام عليها البناء المؤسسي للأمم المتحدة ، ويعتبر أيضا كأحد المداخل الرئيسية التي توضح مدى أهمية الأمم المتحدة ، ومدى الحاجة إليها كالية تؤكد وجودها على الساحة الدولية ولتحقيق ذلك لابد لها من هيكلية تمكنها من أداء الوظائف المنوط بها ، وتنفيذ التزاماتها وفق ما نص عليه ميثاقها من أهداف ومبادئ 2.


تتكون منظمة الأمم المتحدة ، من ستة (6) أجهزة رئيسية حددها الميثاق في الفقرة الأولى من المادة السابعة ، وهذه الأجهزة هي : الجمعية العامة ، مجلس الأمن ، المجلس الاقتصادي والاجتماعي ومجلس الوصاية ومحكمة العدل الدولية ثم الأمانة العامة 3.


وقد حدد الميثاق واجبات وسلطات كل جهاز فتمثل الجمعية العامة الفرع الرئيسي الوحيد الذي يتألف من جميع أعضاء الأمم المتحدة على أساس المساواة في التمثيل ، ويجوز للجمعية العامة بموجب الميثاق أن تناقش مسالة أو أمرا يدخل في نطاق أعمال الهيئة ، وأن تقدم توصياتها بالإجراء الذي ترى اتخاذه بوساطة الأعضاء أو بوساطة الفروع الأخرى


أما مجلس الأمن فيضطلع بأهم مسؤوليات الأمم المتحدة للمحافظة على السلم والأمن الدوليين إذ خول له الميثاق سلطات خاصة لمباشرة هذه المسؤولية. وتقوم الأمانة العامة بمسؤولية معاونة الفروع الأخرى في أداء واجباتها بأعلى كفاءة ممكنة .


وبالنسبة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي فقد حدد الميثاق عدة اختصاصات لهذا المجلس تتمحور حول احترام حقوق الإنسان وتشجيع التعاون بين الدول في مجالات الاقتصاد والثقافة والتنمية أما محكمة العدل الدولية فإنها تباشر في مسؤولية النظر في المنازعات القانونية الدولية على أساس أنها تمثل الجهاز القضائي للأمم المتحدة ، ويشكل نظام المحكمة الأساسي جزء لا يتجزأ من ميثاق الأمم المتحدة . وفيما يتعلق بمجلس الوصاية فقد انشأ بموجب الميثاق لتوفير الإشراف الدولي على 11 إقليما مشمولا بالوصاية ، تقوم بإدارتها سبع دول أعضاء لضمان اتخاذ الخطوات اللازمة والملائمة لإعداد هذه الأقاليم للحكم الذاتي أو الاستقلال .


لقد أثار التنظيم الهيكلي للأمم المتحدة ، العديد من التساؤلات في الأوساط الأكاديمية حول مجال عمل المنظمة ، وطبيعة الوظائف التي تقوم بها ، وقدرتها على خلق وسائل تمكنها من القيام بالمهام المنوط بها . وإن كان معظم الكتاب يتفقون على أن الأمم المتحدة تمثل تنظیم ما بين الحكومات يقوم بوظائف متعددة ، عن طريق أجهزتها ومنظماتها المختصة ، في سبيل تحقيق الغايات التي حددها ميثاقها . ومع أن دراسة التنظيم الهيكلي أو البناء المؤسسي للأمم المتحدة ، لا يمثل التركيز في دراسة الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها المنظمة فقط ، بل لابد من فحص طريقة عمل هذه المنظمة لتحقيق هذه الأهداف ، وتعمل المنظمة على تحقيق جملة مقاصد مثلت الحافز لإنشائها ، ويمثل السلم والأمن الدوليين أهمها ، إذ تسعى المنظمة لمنع الأسباب التي تهدد أو تخل بهما . و تبدو الأمم المتحدة وبعد أكثر من ستين عاما هيئة مثقلة بالأعباء والتحديات ، فالتحولات الجارية في النظام الدولي بمعدلات شديدة التسارع غيرت مفاهيم كثيرة وطرحت فرصا كثيرة ، صاحبتها في الوقت نفسه مخاطر وتحديات وتهديدات غير مسبوقة وهناك شكوك كثيرة تحيط بقدرة الأمم المتحدة في ظل وضعها وتركيبتها الراهنة  على انتهاز الفرص المتاحة أو مواجهة المخاطر والتحديات المستحدثة . ولذلك تبدو الأمم المتحدة في حالة إجهاد تام ، وتواجه أزمة متعددة الأبعاد تهدد بالانهيار 2.


هناك أسباب عديدة جعلت الأمم المتحدة تضعف وتتقهقر في أداء دورها كما يجب وذلك لتحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها ، ولا سيما حفظ السلم والأمن الدوليين ، يمكن تصنيفها إلى مجموعتين :


الأولى : تتعلق بالفترة الزمنية التي انقضت منذ إنشاء الأمم المتحدة ، فخلال هذه الفترة الطويلة ظهرت مواطن القوة والضعف ، كما تجلت مواطن التماسك والخلل ، سواء في نصوص الميثاق نفسه أو في الهياكل والبنية التنظيمية الأصلية ، أو في الوسائل والآليات المستخدمة لتحقيق الأهداف المتفق عليها .

أما الثانية : فتتعلق بدخول النظام العالمي ، مرحلة جديدة من مراحل تطوره ، وذلك لأسباب تتعلق بالضغوط المتسارعة ، لعملية العولمة الناجمة عن الإنجازات العلمية ، أو بتغير هياكل و موازين القوى في النظام الدولي . ولا جدال في أن هذا التطور يستدعي تفكيرا جديدا ، وربما إعادة النظر في المنطلقات والأسس الفلسفية التي استند عليها الميثاق نفسه، ناهيك عن البنى والهياكل التنظيمية وكذلك الآليات والوسائل المستخدمة لتحقيق الأهداف المنشودة .


المطلب الثالث : دور الاتحاد الإفريقي في حفظ السلم والأمن الدوليين


لم ينشأ الاتحاد الإفريقي من فراغ ، وإنما كانت بمثابة الثمرة الناضجة التي أثمرتها شجرة منظمة الوحدة الإفريقية ، فجاء الاتحاد الإفريقي ليحل محل منظمة الوحدة الإفريقية بدورها السابق مع تطوير هذا الدور ليتناسب مع المجتمع الدولي المعاصر.

وهذا ما أكده القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي عندما نص على أنه 2:


. يحل هذا القانون محل ميثاق منظمة الوحدة الإفريقية ، غير أن الميثاق يظل ساريا لفترة انتقالية مدتها سنة واحدة أو لمدة أخرى يحددها المؤتمر ..... الخ. . تكون لأحكام هذا القانون الأسبقية على أية أحكام في المعاهدة المؤسسة للجماعة الاقتصادية

الإفريقية لا تتفق معه أو تعارضه .


• فور دخول هذا القانون حيز التنفيذ تتخذ جميع الإجراءات اللازمة لتنفيذ أحكامه وضمان إنشاء الأجهزة المنصوص عليها بموجبه وفقا لأية توجيهات أو قرارات قد تعتمدها الأطراف في هذا الصدد خلال الفترة الانتقالية المذكورة أعلاه.

.والى أن يتم إنشاء اللجنة ، تكون الأمانة العامة لمنظمة الوحدة الإفريقية هي الأمانة العامة الانتقالية للاتحاد .




 

الاسمبريد إلكترونيرسالة